النشاطات/ محاضرات
-
الاملاء العربي- المشاكل والحلولتتّصل بي والدةٌ ابنها "رامي" في الصّفّ التّمهيديّ قائلةً:"ابني لا يعرف كيف يكتب, أعلّمه, يَنسى, يكره اللّغة العربيّة؛ هل تُساعدُني؟". وتصل "ميرا" إلى البيت, وميرا بنتٌ في الصّفّ الثّاني الأساسيّ, تُطْلِع أهلَها على أعمالِها المدرسيّة, فتُصْعَقُ الوالدة إذ ترى دفتر الإملاء؛ لماذ؟ كتبت ميرا أكثر الكلمات خطأ! وتقول سعاد وهي معلّمة لغة عربيّة للصّفّ الثّالث:"عندنا كارثة في الإملاء؛ أكثر الأولاد لا يُحسنون كتابة الكلمات". ويقول الأستاذ رامز وهو أستاذ لغة عربيّة في المرحلة الثّانويّة:" انظروا, هذي نماذج من كتابات الطّلاّب. الأخطاء الإملائيّة لا تُصَدَّق". رامي وميرا والمعلّمة سعاد والأستاذ رامز يمثّلون المئات بل الآلاف من الأطفال والتّلاميذ والمعلّمين. في الرّوضات, أولاد لا يستطيعون الكتابة, ولا يحبّون العربيّة. وفي المرحلة الابتدائيّة, قلق أهل وشكاوى معلّمات من عدم قدرة الأولاد على الكتابة. وفي المرحلتين المتوسّطة والثّانويّة وحتّى الجامعيّة تذمّر المعلّمين من أنّ الطّلاّب يخطئون كثيرًا في الكتابة الإملائيّة. كلّ ما ذكرنا مظاهر لمشكلة. وحلّ أيّ مشكلة يبدأ بالاعتراف بوجود المشكلة, ثمّ بتشخيصها للوقوف بدقّة على عوارضها, والبحث عن أسبابها, وتقديم مقترحات لحلول مناسبة لها, ثمّ تحويل هذه المقترحات إلى إجراءات عمليّة, تنعكس مُنتجات تُظهر انتفاء المشكلة, وتَعْكِسُ الصّحّة والسّلامة. المشكلة هي مشكلة الإملاء العربيّ. ما هي المشاكل الّتي نعانيها في الإملاء العربيّ؟ وما الحلول المناسبة لحلّ هذه المشاكل تخفيفًا أو إزالةً؟ للإجابة عن هذين السّؤالين, لا بدَّ لنا من أن نعرِّفَ بالإملاء, ثمّ نعرض للأخطاء الّتي يقع فيها الـتّلاميذ, ونبيّن أسباب الوقوع في الخطأ, ومن بعدُ نقدّم الحلول العمليّة المناسبة. إنّ ما نعرضه يستند إلى الأبحاث الحديثة في الدّماغ وفي التّربية وفي علم النّفس, ويعتمد على التّجارب الميدانيّة المستندة إلى علم اللّغة التّطبيقيّ. أوّلاً: ما الإملاء؟ الإملاء, في اللّغة, مصدر من الفعل "أملى". وأملى: قال كلامًا على مَسْمَع آخر ليكتبه تباعًا. يُقال: أملى المديرُ رسالةً على أمين سرّه؛ أملت المعلّمة نصًّا على تلامذتها. إذًا, الإملاء عمليّة لها طرفان: - الأوّل: مُرْسِل متكلّم ناطق والثّاني: مُتَلَقٍّ مُسْتَمِع كاتِب وفي هذه العمليّة تتداخل مهارات اللّغة الأربع: الاستماع, التّكلّم, القراءة, الكتابة. ليست عمليّة الإملاء عمليّة بسيطة كما يظنّ البعض. إنّها عمليّة معقَّدة, تكون عسيرةً عُسْرًا شديدًا, إذا لم نَعْرِف ولم نتدرّج, وتكون يسيرةً يُسْرًا شديدًا إذا عرفنا وتدرّجْنا. ثانيًا: أخطاء التّلاميذ في الإملاء: وباب المعرفة يبدأ بعرض نماذج من أخطاء التّلاميذ: في مرحلة الرّوضات: يكتب الأطفال كلمة "أَرْنَب" بعد تدريب متكرّر. وبعد يومين, تطلب إليهم المعلّمة أن يكتبوا كلمة "أرنب". البعض يكتبها كاملة, والبعض يكتبها ناقصة, البعض يكتبها مقطَّعة, والبعض لا يكتبها. يجنّ جنون المعلّمة, تشكو أمرها للأهل, الأهل يقلقون. أيّتها المعلّمة الكريمة, أيّها الأهل الأعزّة, لا تقلقوا. هَيّا معًا لِنعرف ونعمل. فالمعرفة قوّة, والعمل بالمعرفة سبيل إلى الحلّ. في المرحلة الابتدائيّة, وربّما في المرحلتين المتوسّطة والثّانويّة, تكثر الأخطاء في مثل: ¹حَطّ: حَطّه, حطّى أنا: أنى, أَنَ, أَنَه ¹في البيت: فيلبيت, في لبيت, في بيت للعصفور: لعصفور, اللعصفور ما الفائدة: مل فائدة ¹أولادًا: أولادً, أولاد ضاحكًا: ضاحكَنْ, ضاحكً كثيرًا: كثيرَنْ, كثيرً غَدًا: غَدَنْ مَعًا: مَعَنْ عصفورٌ: عصفورٍ ¹لِصياحي: لِصياح؛ ليصياحي صِغار: صيغار جَميل: جَميل قالوا: قالُ, قَلوا يَلعبون: يالعبون, يلعابون نحنُ: نحنو, نَحنوا سَمِعَ: سَميع الإعلانات: الاعلناة, الإعلنات السّاحات: السحات ¹رأى: رَأَ, رئا الدّافئ: الدّافأ كأس: كَئْس ¹لوحات: لوحاة ثروة: ثروت عاشَت: عاشة ابتسمت: ابتسمة طالعَتْ: طالعة ¹نرجو: نرجوا ندنو: ندنوا ¹تصْرُخ: طصرخ طفولته: تفولته ذلك: ذالك لكن: لاكن أمام هذه الأخطاء الإملائيّة كمًّا ونوعًا تُعبّر المعلّمات عن انزعاجهنّ, يتذمّر المعلّمون, يقلق الأهل ويخافون. أيّتها المعلّمات, أيّها المعلّمون, أيّها الأهل, لا تقلقوا. هيّا معًا لنعرف ونعمل. فالمعرفة قوّة, والعمل بالمعرفة سبيل إلى الحلّ. ثالثًا: مفتاح الحلّ ما وَرَدَ من شواهد عن الأخطاء الإملائيّة كمًّا ونوعًا يبعث على الخوف والانزعاج والتّوتّر والقلق؛ إلاّ أنّ الخوف لا يحلّ المشكلة, والانزعاج لا يحلّ المشكلة, والتّوتر لا يحلّ المشكلة, والقلق لا يحلّ المشكلة, والبقاء عند حدود وصف ظواهر المشكلة لا يحلّ المشكلة. حلّ المشكلة يبدأ بالمعرفة, ثمّ بعمل روحه المعرفة. فماذا يجب أن نعرف؟ رابعًا: المعرفة قوّة: 1- الإدراك السّليم: إذا سَمِع الطّفل كلمة "وردة" وهو لم يَرَ الوردة ولم يشمّها ولم يلمسها فإنّ عمليّة الإدراك لهذا المفهوم غير مكتملة في العقل الباطن؛ ما يعني أنّ هذه الكلمة لم تُصبح ثروة عنده. وإذا رأى الطّفل "وردة" وشَمّها وَلَمَسَها ولم يُذْكَر لَهُ اسمُها, فإنّ عمليّة الإدراك تبقى عاجزة عن الظّهور, وذلك لغياب الاسم؛ ما يعني أنّ هذه الصّورة لم تُصبح ثروة عنده. فالثّروة تتجلّى من استعمال المُكْتَسبات. ولا تتمّ هذه المكتسبات إلاّ إذا اقترن الدّال بالمدلول؛ فرؤية الوردة وشمّها ولمسها يجب أن يرافق هذا ذكرُ اسم الوردة. عندئذٍ تكون عمليّة الإدراك سليمة. 2- دماغ الإنسان: توصَّل علماء الدّماغ إلى بيان خبايا تتعلّق بالدّماغ. ومن هذه الخبايا: الدّماغ أربعة أقسام: القسم الجداريّ, القسم الأماميّ, القسم الخلفيّ, القسم الصّدغيّ. - القسم الجداريّ: يقع في رأس الدّماغ الأعلى (القشرة الدّماغيّة). يعالج هذا القسم المعلومات الحسّيّة الآتية من الحواسّ. يلعب دورًا في عمليّة القراءة والكتابة واللّغة والحساب. -القسم الأماميّ: يقع في أعلى الدّماغ إلى الأمام. هو مسؤول عن ضبط الحركة والتّعبير اللّفظيّ, وحلّ المشكلات, وقوّة الإرادة, والتّخطيط, والتّركيز. - القسم الخلفيّ: يقع في مؤخّرة الدّماغ. مختصّ في معالجة عمليّات الرّؤية. - القسم الصّدغيّ: يقع في وسط الدّماغ إلى جانب الأذنين. وهذا القسم مسؤول عن السّمع والإصغاء واللّغة والتّعلّم. ب- الخليّة العصبيّة:تتكوّن من جسم وشعيرات ومحور. وهي المسؤولة عن نقل المثيرات. فإذا كانت نشيطة نقلت المثيرات نقلاً تفاعليًّا عاليًا؛ وإذا كانت ضعيفة فإنّها تخفق في تأدية دورها. ج- المخيخ:يقع في أسفل مؤخّرة الرّأس بالقرب في ساق الدّماغ. وهو المسؤول عن التّوازن والوقوف والتّنسيق وحركة العضلات. د- منطقة فيرنك wernick: موجودة في الحافّة الخلفيّة العليا للقسم الصّدغي, مسؤولة عن تحويل الأفكار إلى لغة. ه- منطقة بروكا Broca:موجودة في المنطقة الأماميّة اليسرى في الدّماغ. تعمل على تحويل الأفكار الآتية من منطقة فرنك إلى أصوات أو إلى كلمات مكتوبة. عمليّة الإملاء, إذًا, عمليّة معقّدة, يشارك فيها كلّ أقسام الدّماغ وفي كلّ المناطق. فالتّلميذ: يستمع (القسم الصّدغيّ), ويحوّل المسموع إلى أصوات (منطقة فيرنك ومنطقة بروكا), وهو يرى الكلمة أو يتخيّلها (القسم الخلفيّ), ويكتبها (القسم الجداريّ), ويرسمها رسمًا سليمًا (المخيخ). وكلّ ذلك يتمّ عبر الخلايا العصبيّة النّشيطة. 3- قسما الدّماغ:ينقسم الدّماغ إلى قسمين اثنين: الأيمن, والأيسر. لكلّ قسم وظائف, تتآزر في ما بينها وتتكامل. من وظائف القسم الأيمن: إدراك الصّور وتحليلها؛ ومن وظائف القسم الأيسر: التّعامل مع الكلمات. إنّ ربط الصّورة بالكلمة من شأنه أن يسهّل عمليّة الإملاء. 4- مهارات اللّغة: مهارات اللّغة أربع: الاستماع, التّكلّم, القراءة, الكتابة. هذه المهارات موجودة بالقوّة عند كلّ إنسان, وهي تظهر بالفعل تِباعًا. فالطّفل يستمع, ثمّ يتكلّم, ثمّ يقرأ (يلاحظ المرئيّ ويحلّله), ثمّ يكتب. وفي ما بعد تتفاعل هذه المهارات في ما بينها تفاعلاً مُنْتِجًا. ولكن يبقى "السّمع أبو الملِكات الإنسانيّة" كما قال ابن خلدون. فالاستماع يُشبه الينبوع الرّئيسيّ الّذي يغذّي ينبوعين اثنين: ينبوع التّكلّم وينبوع القراءة. وهذان الينبوعان إذا تكاملا وتآزرا فإنّهما يرفدان ينبوع الكتابة. 5- النّموّ المعرفيّ: أكّد الباحثون أنّ عمليّة نموّ الإنسان تمرّ في مراحل جسديًّا ومعرفيًّا. الفول المطبوخ مفيد؛ لماذا لا نطعم الطّفل فولاً عندما يكون في عمر الشّهرين؟ لا لأنّ الفول مُضرّ, بل لأنّ قابليّة الطّفل لهذا النّوع من الطّعام غير متفتّحة. معرفة الوقت هدف معرفيّ حياتيّ مفيد. لماذا لا نعلّم الطّفل معرفة الوقت عندما يكون في السّنة السّادسة من عمره؟ لا لأنّ معرفة الوقت هدف غير مجدٍ, بل لأنّ قابليّة الطّفل لهذا الهدف المعرفيّ غير متفتّحة. الأبحاث أكّدت أنّ فعل التّهجئة الحقيقيّ (وهو فعل قراءة) لا يتمّ قبل السّادسة من العمر. والأبحاث أكّدت أنّ فعل الكتابة الحقيقيّ لا يتمّ إلاّ بعد المرور بالتّكلّم والقراءة. فكيف نُجبر الطّفل على الكتابة وهو غير قادر على القراءة؟ انطلاقًا ممّا تقدّم من معارف تتعلّق بعمليّة الإدراك السّليم, وبدماغ الإنسان, وبقسمَي الدّماغ, وبمهارات اللّغة, وبالنّموّ المعرفيّ, وفي ضوء هذه المعارف- والمعرفة نور وقوّة- واستنادًا إلى تجارب ميدانيّة تطبيقيّة, نقدّم حلولاً عمليّة لمشكلات "الإملاء العربيّ". خامسًا: الحلول العمليّة: 1- الاستماع والتّكلّم والقراءة: الإكثار من نشاطات الاستماع والتّكلّم والقراءة, عمدتها نصوص سَلِسة وموضوعات حياتيّة. من هذه النّصوص نصّ "قالت دانة" لبيان الصّفديّ: قالت دانة قالت دانة:"أنا فرحانة عندي أرنب يركض يلعب فوق العشبِ ويغنّي أغنية الجزرِ آكله كي يقوى نَظَري سأقوّيه وأغذّيه وسأُكثِرُ من أكلِ الجَزَرِ". عندما يستمع الطّفل لعشرات النّصوص بل مئات النّصوص فإنّ خزّان الاستماع يغتني, فينفجر ينبوعًا يغذّي مهارة التّكلّم ومهارة القراءة. ومتى كانت هذه المهارات مغتنية فحتمًا ستكون المهارة الرّابعة مهارة الكتابة مغتنية. وأمام هذه النّشاطات تنتفي الأخطاء في مثل: حطّ, أنا, في البيت, للعصفور, لِصياحي, جميل, صغار, قالوا, يلعبون, نحن, الإعلانات, السّاحات. 2- الأشعار والموسيقى: الشّعر ولاسيّما الشّعر ذي الإيقاع الخفيف والصّور المتنوّعة له آثار مباشرة في محاور الخلايا الدّماغيّة, إذ إنّه يزيد المادّة الدّبقيّة سماكةً. ومتى ازدادت هذه المادّة سماكة أصبحت الخلايا قادرة على نقل المثيرات بسرعة فائقة, فتنشط عمليّة الإدراك وتكون سليمة, وتنشط عمليّة التّذكّر, وتنشط عمليّة الرّبط بين كلّ أقسام الدّماغ. في العام 2004 دخلت صفًّا (وهو الصّفّ السّابع), ووجدتُ فيه مشكلة كبيرة في الإملاء تتجلّى في الاضطراب اللاّفت في الكتابة الإملائيّة, فاحترت من أين أبدأ. فالطّلاّب, في النّصّ نفسه, مرّة يكتبون "يلعبون" كتابة صحيحة, ومرّة يكتبونها "يالعبون, يلعابون, يلعبونا"... والأخطاء لا تنضوي تحت ما يُسمّى قاعدة. فأخطاؤهم لا تُحَلُّ بقاعدة مثل حذف حرف العلّة في آخر المضارع المجزوم, أو بقاعدة الألف في آخر الكلمة, ولا بقاعدة كتابة الهمزة؛ الأخطاء محيّرة. فماذا فعلتُ؟ اخترتُ ثلاثين نصًّا شعريًّا ونثريًّا, سَجَّلْتُ النّصوص. بعضها ملحّن, وبعضها مُلقى إلقاء جيِّدًا مُرفَقًا بمؤثّرات صوتيّة مناسبة. وقدّمتُ هذه النّصوص للطّلاّب مسموعة ومقروءة, وأجريتُ عليها نشاطات مرافقة مشوّقة مناسبة لأهداف المنهج. وقد حفظ الطّلاّب, بالتّكرار, هذه النّصوص الثّلاثين, وطبعًا في هذه الأثناء, لم أعِر الإملاء التّقليديّ أيّ مساحة. وبعد مرور أربعة أشهر, عدتُ فأمليتُ على الطّلاّب النّصوص الّتي كانوا قد أخطأوا فيها, وكانت النّتيجة رائعة. فنسبة الأخطاء كانت قليلة جدًّا, وأخطاء الأصوات الطّويلة والقصيرة والوصل كلّها قد انتفت. لماذا؟ الموسيقى والإيقاع قد أثّرا في محاور الخلايا العصبيّة. وهذه المحاور نَشَّطت العمليّات داخل الدّماغ. انتفى السّبب, وكان العجب. شِعْرُ الأطفال أغنى من كلّ الفيتامينات وأسرعها فاعليّة. ومن القصائد الّتي اعتمدناها في ذلك المبحث قصيدة "مركبة القمر" للشّاعر سليمان العيسى: مركبة القمر دوري دوري حَوْلَ القَمَرِ يا حاملةً حُلْمَ البَشَرِ دوري وارْسي فَوْقَ القَمَرِ *** يا مَرْكَبَةَ العَقْلِ الباهِرْ يا أُسْطورَهْ خَلّي الأَطفالَ مَعَ الشّاعِرْ في المَعْمورَهْ دُنيايا أَحْلى مِنْ قَمَرِكْ وَأَغانينا سَلْوى ضَجَرِكْ دوري دوري حَوْلَ القَمَرِ ثمّ انفتلي نَحْوَ البَشَرِ *** آمَنّا بِالعلمِ الهادي يَسْقي القَفْرا يَسْتَنْبِتُ في الرّمْلِ الصّادي واحًا خُضْرا فُكّي الأَقْدامَ المَغْلولَهْ قَبْلَ الأَكْوانِ المَجْهولَهْ يا زارِعَةً قَدَمَ البَشَرِ في أُبَّهَةٍ فَوْقَ القَمَرِ 3- الصّور والكلمات: إنّ عمليّة التّزاوج بين الصّورة والكلمة من شأنها أن تسرّع الإدراك. نعرض للطّفل صورة ونذكر اسمها, فيكرّر ذلك ويستعمل الكلمة في تعبيره. وبعد ذلك نعرض الصّورة ونكتب اسمها تحتها, فيرى الصّورة واسمها. عندئذٍ ينشط قسما الدّماغ, ويتآزران على عمليّة الإدراك. ومن بعد نطلب إلى المتعلّم أن يضع الكلمة المناسبة لكلّ صورة. وبعد ذلك نطلب إليه أن ينسخ الكلمات المكتسبة. وفي أكثر الأحيان يكتبها من دون أن ينظر فيها, لأنّها أصبحت مُدْرَكَةً إدراكًا سليمًا كاملاً. 4- النّسخ المتكرّر: بعد أنْ يُدْرِك المتعلّم كلمة ما, يُسْتَحْسَن أن يُثبّتها رسمًا, في العقل الباطن من خلال: الرّسم بالماء, الرّسم في الهواء, الرّسم على الرّمل, النّسخ بالقلم. كلّ هذه الإجراءات تحبّب وتثبّت عمليّة الإدراك. نسخ كلمات ونسخ جمل ونسخ نصوص قصيرة ولاسيّما إن كانت مرفقة بصور, عمليّة تسهّل الكتابة الصّحيحة. 5- القياس: تدريب المتعلّم على القياس في عمر متقدّم, استراتيجيّة مهمّة. نضع أمامه كلمة "معلّمة" وإلى جانبها كلمة "معلّمات". وبعد ذلك عليه أن يكتب جمع:"عاملة, باحثة, مذيعة", فيعرف عندما يسمع كلمة في جمع المؤنّث السّالم أنّ كتابتها تكون بالتّاء الطّويلة. وهنا القياس يصحّ في: كتبَ كَتَبَتْ تَكْتُبُ ذَهَبَ ذَهَبَتْ تَذْهَبُ عَمِلَ عَمِلَتْ تَعْمَلُ صَرَخَ صَرَخَتْ تَصْرَخُ نَطَقَ نَطَقَتْ تَنْطُقُ 6- تبسيط القاعدة: من خلال التّجربة الميدانيّة, كان أكثر الطّلاّب يكتبون الكلمات المنتهية بتاء كتابة سليمة. فعندما أعطيناهم قاعدة معقّدة تتعلّق بكتابة التّاء المتطرّفة كثُرت الأخطاء. ويبدو أنّ الدّماغ يحبّ البساطة, وأنّ اللّغة نفسها ترفض التّعقيد, وكذا الدّماغ. يقول الدّكتور عبد الفتّاح الزّين في كتاب "المفتاح":"تفاجئك كتب قواعد اللّغة العربيّة المدرسيّة, في مقام الكلام على التّاء المتطرّفة ورسمها, بتعريفات كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان. ثمّة ذكر في القاعدة لكلّ أحوال كتابة التّاء مبسوطة, وكلّ أحوال كتابتها مربوطة, حتّى بلغ عدد أحوال كتابتها بوجهيها هذين خمس عشرة حالة تقريبًا. ظنُّنا أنّ هذه القاعدة الفَضْفاضةَ المترهّلة لا يقوى حتّى الكبارُ على حفظها واستدعاء ما فيها عند الحاجة؛ إذ القاعدة, أيّة قاعدة, يجب أن تكون موجزة إيجازًا لا يشكّل عبئًا على الذّاكرة, ولاسيّماذاكرة التّلميذ". وقد اقترح البديل:"التّاء المتطرّفة مربوطة إذا صارت هاءً في الوقف, وإلاّ فهي مبسوطة". 7- نصوص حياتيّة: عقل الإنسان ينفر من النّصوص المصطنعة المركّبة لخدمة ما يُسمّى قاعدة إملائيّة. وهذا العقل نفسه يحبّ النّصوص الحياتيّة المركّبة تركيبًا طبيعيًّا ملائمًا للمعنى. أمامنا الآن نصّان: يحيى, ومن أنا؟ نصّ "يحيى" مركّب تركيبًا مصطنعًا, ونصّ "من أنا؟" لأمل ناصر كجك . يحيى سعى فتًى اسمه يحيى للوصول إلى المبتغى. حَمَلَ عصًا عند الضّحى, وتوجّه نحو التّلّة الكبرى. وفي المسعى رأى عند مُلْتَقى الطّرق فتًى طلق المحيّا, فطلب منه أن يسعى معه فأبى. من أنا؟ أَنا لَسْتُ شَجَرَةً, لكِنَّ رَأْسي يُثْمِرُ بِالأَفْكارِ الحَسَنَةِ. أَنا لَسْتُ ذَهَبًا, لكِنَّ عَقْلي أَغْلى مِنَ الذَّهَبِ, بَل أَغْلى مِنَ كُنوزِ الأَرْضِ. أَنا لَسْتُ شَمْسًا, لكِنَّ قَلْبي يُشْرِقُ بِالمَحَبَّةِ. أَنا لَسْتُ عُصْفورًا, لكِنَّ خَيالي يَحْمِلُني إِلى حَيْثُ أُريدُ. أَنا لَسْتُ نارًا, لكِنَّ مَشاعِري تُدْفِئُ أَكْثَرَ مِنَ النّارِ. أَنا لَسْتُ غَيْمَةً, لكِنَّ عَيْني قَدْ تُمْطِرُ أَحْيانًا. أَنا لَسْتُ زَهْرَةً, لكِنَّ فَمي يَفوحُ بِالكَلِماتِ الطَّيِّبةِ. أَنا لَسْتُ يَنْبوعًا, لكِنَّ بَسْمَتي قَدْ تُنْعِشُ مُتْعَبًا. أَنا لَسْتُ آلَةً, لكِنَّ يَدي تَغْرِسُ شَجَرًا, تَفْعَلُ خَيْرًا. أَنا لَسْتُ بَلْسَمًا, لكِنَّ أَنامِلي أَقْوى مِنَ البَلْسَمِ: تَحِنُّ على يَتيمٍ فَتُفْرِحُهُ. أَنا لَسْتُ كِتابًا, لكِنَّ حَياتي مَليئةً بالقِصَصِ وَالحِكاياتِ العَجيبَةِ. أَنا لَسْتُ كُلَّ الأَشْياءِ, أَنا أَحْلى مِنْ كُلِّ الأَشْياءِ أَنا... أَنا إِنْسان. في النّصّ الأوّل إرهاق على الدّماغ, وتنفير. وفي النّصّ الثّاني سرور للدّماغ, وتحبيب. في عمليّة التّعليم نحن أمام إنسان يتّسم بعقل وخيال وذاكرة ووجدان وحواسّ ويدين, نحن أمام إنسان يريد أن يتعلّم, يريد أن يكون ماهرًا في لغته العربيّة استماعًا وتكلّمًا وقراءة وكتابةً, هو يرجونا. فهل اعتمدنا المعرفة كي نسهّل عليه التّعلّم؟ وهل اعتمدنا العمل وفق المعرفة كي نسهّل عليه التّعلّم؟ ورد في الحكم:"أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظّلام". نحن نضيء الشّموع, ولا نلعن الظّلام؛ في الوقت المخصّص للَعن الظّلام نبتكر وسيلة ما, طريقة ما, تجعل رامي وميرا والمعلّمة سعاد والأستاذ رامز والأهل يطردون القلق, ويحبّون اللّغة العربيّة.